من سنن الله في خلقه ومن المسلمات المنطقية أن يكون لكل سلوك ولكل قرار دوافع وأسباب، وكلما كان القرار أو السلوك محورياً ومؤثراً في مستقبل الأبناء؛ كان ولا بد أن تكون الدوافع والأسباب قوية ومؤثرة ويصعب تجاهلها، أو غض الطرف عنها، فالآباء حينما يتخذون قراراً يتعلق بمستقبل فلذات أكبادهم، فهم يعبرون بذلك ليس عن طموحهم وإرادتهم الحرة فحسب بل يعبرون عن رؤيتهم الثاقبة لواقع التعليم في بلادهم ومآلاته، ولكي تطمئن قلوبهم فهذه بعض الدواعي والأسباب للتحول إلى التعليم المنزلي نذكرها بإيجاز:
- تخلف أنظمة وبرامج ومناهج التعليم النظامي
- فتخلف منظومة التعليم الرسمي أدى إلى تخلف المنتج ، ( الطالب خريج هذه المنظومة ) .
يقول الأمريكي (شارلوت إيثر بيت) مستشار السياسات في مكتب البحوث التربوية والتحسين بوزارة التربية والتعليم الفيدرالية في عهد ريجان: «يعلّمون الأطفال عن عمد أن يكونوا أغبياء” ذكر ذلك في كتابه (The Deliberate Dumbing Down of America)، فهذا قولهم عن أنظمة التعليم في بلادهم المتقدمة عن بلادنا بمراحل واسعة، وحسبنا ماوصلت إليه البحوث المتخصصة من الإقرار بكارثة واقع التعليم تعبر عنها المقولة الأشهر (أمية المتعلمين).
- ضعف وتأخر تعلم الأبناء القراءة والكتابة
- في المدارس الرسمية قد يصل الأبناء إلى المرحلة الثانوية ولربما الجامعية ولديه من الأخطاء الإملائية والنحوية والخطية ما يجزم بعدم حصوله على فرص تعلم المهارات الأولية والأساسية للغة العربية (لغته الأم)، ومن ثم عدم حصوله واقعياً على شهادة الابتدائية (شهادة إتمام التعليم الاولي)، رغم وصوله للجامعة في التعليم الرسمي،
ويجدر بنا أن نذكر بأن بحوث المتخصصين تشير إلى أن تعلم مهارات القراءة والكتابة للغة الأم لا يستغرق شهوراً ولا يتعدي معدل ساعة يومياً.
- تخلف طرق تعلم الرياضيات
- ، واقتصار تعلمها غالباً على حفظ نظريات ونتائج وصور حل تمارين معينة، في حين أن الرياضيات مادة تفكير وإبداع، علماً بأن أمريكا سبق أن أجرت تغييراً جذرياً لمناهج الرياضيات بعد إطلاق الاتحاد السوفيتي أول مركبة فضائية في القرن الماضي ، وحسبنا أن دولا عربية كبيرة – منها مصر – لم تشترك في أولمپياد الرياضيات العالمي International Mathematical Olympiad (IMO) .
- انخفاض مستوى الأمن والأمان في المدارس
- بصفة عامة، والرسمية خاصة، الأمن الصحي والغذائي،والقيمي وغيره وتكرار حالات العدوى والتلوث والتسمم وحوادث الخطف والاعتداءات الجنسية وسرقة الأعضاء وحوادث وغيره .
- ضعف وقلة اكتساب الأبناء لمهارات جديدة،
- وخاصة ما يتعلق بمهارات إدارة الذات وحل المشكلات والذكاءات.المتعددة
- طول مدة التعليم
- حيث يستغرق الأبناء – إذا أمضوا بلا تخلف أو رسوب – ثمانية عشر سنة يتعلمون (تعليماً متخلفاً)، في حين يمكن اختصار هذه المدة ويستمتعون بتعليم راق متقدم.
- يتحمل الآباء (والدولة) تكاليف باهظة
- لتعليم أبنائهم في المدارس النظامية الرسمية، وتتضاعف هذه التكلفة بعد تخرجهم بمستوى لايليق ولا يناسب نظرائهم في أي دولة متقدمة أو نظرائهم الذين تعلموا تعليماً منزلياً.
- ندرة مواكبة التكنولوجيا في المدارس الرسمية النظامية
- ما يحدث في العالم من طفرات تكنولوجية وعلمية لا يمكن مواكبتها في منظومة التعليم الرسمية لاسباب عديدة لا تغيب عن واقع وذهن القارىء.
- الانحدار الأخلاقي والاجتماعي للوسط المدرسي النظامي.
- تشير الإحصاءات الأمريكية أن 40%من طلاب المدارس تم توقيفهم بسبب جرائم أخلاقية وكما أكدت دراسة (عصام المليجي) عن جرائم الطلبة في مصر أن الجنايات التى ارتكبها الطلاب بلغت نسبتها 65.1% زادت إلى 5 % في الأعوام التالية
وأن نسبة جنح السرقات ضد الأموال التي يرتكبها الطلاب بلغت نسبتها 85.1%،
وتشير دراسة أخرى (عماد الدين سلطان) إلى رتفاع نسبة الطلاب المجرمين مرتكبى جرائم العنف من (28.5%) من إجمالى الطلاب مرتكبى الجرائم في مصر إلى (35.7%) من إجمالى الطلاب مرتكبى الجرائم في مصر ، وأن ميول الطلاب إلى ارتكاب جرائم عنف تصاعدت في الارتفاع في مقابل انخفاض ميولهم السلمية والإبداعية، ولقد أشارت العديد من الدراسات السابقة إلى أن جرائم الشباب أصبحت أكثر عنفاً في جميع أنحاء العالم وتشير الدراسات إلى أن معدل الطلاب المجرمين كان 58.2 طالباً مجرماً من كل مائة ألف طالب، وهذه النتائج مرشحة للتضاعف في هذه الحقبة الزمنية ذات الطبيعة الخاصة.
- ظروف ومناخ المدرسة الرسمية النظامية تؤثر سلباً
على ثقة الطلاب بأنفسهم فقد أكدت دراسات (علام ، ورزق النبهاني ، والشعراوي، والعنزي) أنه يوجد ارتباط سلبي بين الثقة بالنفس وعملية التحصيل الدراسي (ومعلوم مستوى التحصيل الدراسي للطلاب بالمدارس الرسمية).
كما تشير دراسة العنزي (السابق ذكرها) أن نسبة عالية من طلاب المرحلة الثانوية والجامعية لديهم ضعفاً واضحاً في الثقة بالنفس.
كما تشير دراسة البورت بأن 92% من الطلاب و98% من الطالبات لديهم شعور سلبي تجاه أنفسهم ويعزو هذا إلى تخلف المناهج ورداءة المناخ التربوي.
- تكدس الفصول الدراسية
كثرة عدد الطلاب يحول دون حصولهم على أدنى حقوقهم في المناقشة وعرض أفكارهم بل يحول – في الغالب – دون جلوسهم في فصولهم جلسة صحية، فضلاً عن فرصهم في معامل وغرف مصادر وقاعات أنشطة وملاعب فقد أكدت الإحصائيات ذلك (في مصر)، حيث إن إجمالى عدد الطلاب بمرحلة التعليم قبل الجامعى بلغ (17,769,000) طالب تقدم لهم الخدمات التعليمية من خلال (46,727) مدرسة تحتوي (479,255) فصلا دراسيا، وبلغ عدد البنين (9,120,000) طالب وبلغ عدد البنات (8,648.000) طالبة.
- يعتمد التعليم في المدارس الرسمية النظامية على مناهج منتهية الصلاحية ومعلومات مغلوطة، وقد أثبت ذلك كثير من المتخصصين إلى جانب مجموعة إصدارات (تطوير التعليم) التي رصدت نماذج من هذا، والحقيقة إن الأمر لا يحتاج دلائل فيمكن للقارىء أن يفتح أي كتاب مدرسي لأي صف دراسي ويتأمل أي وحدة منه ليدرك الحقيقة.
- المدارس الرسمية النظامية تتجاهل المناهج والأنشطة
فالمناهج والأنشطة التي تكسب الطلاب مهارات الحياة ومهارات أساسية تفيدهم في مجتمعهم.
- المدارس الرسمية والنظامية تتعامل مع مناهج ومقررات التربية الدينية تعاملاً مشيناً لا يليق بإنسان يحترم دينه وعقيدته وهويته.
- أثبتت العديد من الأبحاث والدراسات أن أحد أهم الدوافع القوية لاختيار التعليم المنزلي هو الاستياء من المدارس العامة، أبدت (جوردرGroder) بأن المدارس العامة ما زالت مؤسسة جامعة للمشكلات، وأن الفصول الدراسية تعمل على تطوير الأفراد بشكل سلبي، وأن العالم الحقيقي يختلف عن العالم داخل المدرسة، واعتبرت أن المدارس جامدة صلبة، لا تستجيب للمتغيرات المجتمع.
- وفي دراسة (لاثام) أبدى الآباء والأمهات قلقهم حول التعليم الإلزامي وأوجه القصور في المدارس العامة، وهو ما اضطرهم لتعليم أبنائهم بالمنزل.
- وفي دراسة قام بها (نوليس) عبّر الآباء والأمهات عن أنهم يعانون من ذكريات غير سارة من خلال تجاربهم الشخصية في المدارس العامة، كما أبدت الأسر أسفها لأن المدارس مضيعة للوقت، وأن كل آمالهم تزويد أبنائهم بتجارب تعليمية إيجابية، بعيدًا عن المدارس العامة.
- دعمت (جيبJub) هذه النتائج، وأكدت أن التعليم عندما يكون فرد لفرد فإنه يحقق جواً صحياً مستمراً، وبالتالي الوصول للامتياز العلمي والأكاديمي والاجتماعي.
- ويصرح (أيكسAiex ) أنه وجد أغلب العائلات ترفض المدارس العامة، لأن الأطفال يكونون أكثر عنفًا في المدرسة، ولأن العنف يؤثر على بيئة التعلم وعلي التحصيل العلمي للتلاميذ.
- أضافت دراسة (هيمفري) : “بالإضافة إلى العنف في المدارس، خوف الأمهات على التلاميذ من الاعتداءات الجنسية وحوادث الطرق والمرور وهم في طريقهم من وإلى المدرسة.
- ذكرت (إدواردذ) أن الآباء يستاءون من المدارس العامة بسبب قضايا الأمن والأمان، وتواجد المخدرات، وانتشار الجنس بين الطلاب، فضلًا عن جودة التعليم، والضغط السلبي للأقران والتنمر في داخل الفصل الدراسي الواحد، إلى جانب البيروقراطية المتأصلة في النظام المدرسي، وعدم استخدام التقنيات الحديثة.
مما سبق فإن الاستياء من المدارس العامة يرجع للأسباب الآتية:
- تجارب الوالدين الشخصية السلبية في المدارس العامة.
- حالة جودة التعليم العام ونوعية المناهج.
- القلق من قضايا الأمان داخل المدرسة.
- ضياع وقت المعلم في المعاقبة وردود الأفعال بدلاً من التركيز على التعليم.
- التأثير السلبي للأقران والمناخ الأخلاقي السيئ الذي يسود المدارس العامة.
وكانت نتائج المركز الوطني عام 2017م التي توضح أهم الأسباب التي دفعت الأسر لاختيار التعليم المنزلي حسب الأهمية كالآتي:
- الأسباب الدينية والثوابت الأخلاقية.
- القلق من بيئة المدرسة.
- الاستياء من المدارس العامة والخوف من التحصيل العلمي.
- الجوانب العقلية والمشكلات الجسمانية.
- احتياجات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
- تعليم الأطفال تعليماً متفرداً غير تقليدي.
- أسباب أخرى مثل وقت العائلة والتمويل والسفر والمسافة.
وأخيراً قام المركز الوطني لإحصاءات التعليم في عام 2017م بالبحث بشأن دوافع الأسر لاختيار التعليم المنزلي، فأشارت النتائج أن الدوافع الدينية والأخلاقية هي المصدر الرئيس وراء هذا النمط التعليمي، وبمقارنة النتائج بعام 2003 وجد أن النسبة ارتفعت من 72% في عام 2003 إلى 83% في عام 2017 لاختيار العائلات التعليم المنزلي بسبب النواحي الدينية والأخلاقية.
وفي ظل هذا النظام العالمي الذى لجأ فيه الآباء إلى التفكير خارج إطار أسوار المدرسة لتعليم أبنائهم بانفسهم، وأطاحوا بالنظام المؤسسي المدرسي بعيداً عن أبنائهم، فإن هذه الأسر نأت بعيداً عن مشكلات التعليم التى تزداد يوماً بعد يوم، ووجدوا في التعليم المنزلي ملاذهم. مع الإشارة إلى أن الدين والطموح هما العاملان الأساسيان اللذان دفعا هذه الأسر إلى التعليم المنزلي (homeschooling).
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!