حينما تناول علماء السلوك مقولة الإمام الغزالي (الأخلاق هيئة في النفس يصدر عنها الإقعال) وجدوا أنها عبارة سلوكية تخصصية بامتياز حيث التعبير يشير إلى أن الخلق عبارة عن نسق ومنظومة تعمل مع أجهزة أخرى وتناولوا تحديدً العلاقة بين الأخلاق والسلوك عمل مراكز الدماغ والمخ والأعصاب ومستوى الإدراك في سياق الصحة العقلية والنفسية وأيضاً تأثر الأخلاق بالجينات والبيئة التربوية والتعليمية
فوجدوا أن الأخلاق تعمل في نسق ومنظومة غير متناقضة بل متكاملة فمنظومة الأخلاق السامية كالعدل والإخاء والأمانة وغيرها تعمل بتناسق وتكامل (بدون تناقض) مع الصدق والمروءة والتعاون وغيرها من نفس جنسها
ومنظومة الأخلاق الرديئة كالظلم والأنانية والخيانة تعمل بتناسق وتكامل مع الكذب والابتزاز والكبر وغيرها من جنسها
وكثير من الأبحاث السلوكية التجريبية والتحليلية تثبت عدم تناقض النسق القيمي أي لا يمكن أن يجتمع خلق الأمانة مع الخيانة والصدق مع الكذب
كما أثبتت أن ثمة علاقة جينية لبعض الأخلاق السامية مثل الكرم والسماحة وأيضا لبعض الأخلاق الرديئة المنبوذة كالإجرام والشذوذ والخيانة
كيف تُغرس القيم الأخلاقية؟
يوجد ثلاثة قوانين ثابته لغرس القيم الأخلاقية وهي:
- قانون المحاكاة أو التقليد (القدوة)
- قانون التكرار والمواظبة
- الفطرة والسجية
فقانون المحاكاة تعلمته البشرية من غراب
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ |
وحث عليه القرآن الكريم
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].
أما قانون التكرار والمواظبة فقد تعلمته البشرية في تكرار الأذان والصلوات والأذكار وأعمال البر
وأما قانون السجية والفطرة
وهو يعتمد على استثارة الفطرة السليمة السوية المجبولة على الخير
وما عوامل بقاء الأخلاق السامية؟
أو كيف تزدهر الأخلاق السامية؟
فبقاء الأخلاق السامية وازدهارها مرتبط بعلاقتها بالسماء والبقاء والاحتياجات الإنسانية
فادعاء وجود أخلاق سامية بدون دين ادعاء كاذب مضلل والواقع والتاريخ شهود على ذلك فقد عجزت المادية والوجودية وغيرها عن تقديم نموذج أخلاقي سوي قويم مثلما قدمت الحضارة الإسلامية ذاك النموذج
كما أن النظرة الكلية الجمعية للبقاء والأثر والإنماء تدفع إلى تقديم نموذج أخلاقي قويم وهو ما عجزت عن تقديمة النظم العنصرية والفاشية وغيرها من نظم الانتقاء والإقصاء والإفناء
كما أن الحاجة إلى التلبية المتبادلة والمتوازنة والعادلة للحاجات الإنسانية تدفع إلى الإبقاء على الأخلاق القويمة
والخلاصة
أن انتقاء واستدعاء عناوين لقيم متناقضة هو استنساخ فاشل ودجل فاضح
وأن الأداء الأخلاقي في عالم النانو والخلايا الضوئية لم يعد يخفى على أحد
وأن فناء المجتمعات والكيانات والدول مهما كانت قوتها مرتبط بمحاربتها لمنظومة القيم الإنسانية السامية
دكتور مجدي هلال 9/4/2020
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!